**ضرائب عقارية جديدة في بريطانيا: زلزال يهز سوق الإسكان وتداعيات اقتصادية محتملة**
تشهد الساحة الاقتصاديةالبريطانية نقاشاً حاداً وغير مسبوق حول مقترحات جذرية لتعديل نظام الضرائب
العقارية، وهي تغييرات من شأنها أن تعيد تشكيل ملامح سوق الإسكان برمته. ففي ظل
التحديات المالية والاقتصادية المتزايدة التي تواجهها الحكومة، باتت وزيرة الخزانة
البريطانية، راشيل ريفز، على وشك الكشف عن موازنة الخريف التي تتضمن حزمة من
التعديلات الضريبية الجوهرية على العقارات والمساكن. هذه الخطوات، وإن بدت ضرورية
لتعزيز الإيرادات الحكومية، إلا أنها تثير مخاوف عميقة بشأن مستقبل سوق العقارات
البريطاني وقدرته على استيعاب مثل هذه الصدمات.
![]() |
**ضرائب عقارية جديدة في بريطانيا: زلزال يهز سوق الإسكان وتداعيات اقتصادية محتملة** |
**لماذا الآن؟ الضغط المالي يدفع الحكومة نحو الحلول الجذرية**
لطالما كانت أسعارالعقارات في بريطانيا، خاصة في المدن الكبرى مثل لندن، محركاً أساسياً للثروة وجاذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية. ومع الارتفاع المطرد في هذه الأسعار خلال السنوات الأخيرة، رأت الحكومة في ذلك فرصة سانحة لزيادة حصيلتها الضريبية بشكل كبير.
- فالتوقعات تشير إلى أن التعديلات المقترحة يمكن أن تضخ أكثر من 30 مليار جنيه إسترليني (حوالي
- 40 مليار دولار أمريكي) في خزائن الدولة، وهو مبلغ حيوي لسد فجوة العجز المالي المتسعة
- وتخفيف عبء الدين العام الذي يقترب من حجم الناتج
المحلي الإجمالي.
وتواجه حكومة حزب "العمال" بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر معضلة حقيقية: فمن جهة، تعهد الحزب قبل انتخابه العام الماضي بعدم رفع ضرائب الدخل أو التأمينات الاجتماعية أو ضريبة القيمة المضافة، وهي تعهدات تحد من خياراته الضريبية التقليدية.
ومن جهة أخرى، يضغط الواقع
الاقتصادي الصعب لضرورة إيجاد مصادر إيرادات جديدة. لذا، برزت الضرائب العقارية
كخيار رئيسي، خاصة تحت شعار "العدل في الجباية"، الذي يهدف إلى إقناع
الرأي العام بأن هذه الضرائب تستهدف العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الأعباء.
**تكتيك "تسريب المقترحات" جس نبض الرأي العام**
في خطوة استباقيةومقصودة، عمدت وزارة الخزانة إلى تسريب بعض هذه المقترحات لوسائل الإعلام قبل الإعلان الرسمي عن الموازنة. لم يكن هذا التسريب مجرد خطأ، بل تكتيكاً مدروساً لإثارة الجدل وفتح النقاش الإعلامي والسياسي حول التعديلات المقترحة.
- الهدف هو تهيئة الرأي العام وتخفيف حدة المفاجأة عند الإعلان الرسمي، على أمل أن يسهل ذلك
- تمريرها وقبولها في نهاية المطاف. هذا النهج يعكس وعي الحكومة بحساسية هذه القضية وقدرتها
- على التأثير بشكل مباشر على شريحة واسعة من المجتمع البريطاني.
**أبرز المقترحات الضريبية تفاصيل قد تغير قواعد اللعبة**
تتعدد المقترحات المطروحة وتتباين في طبيعتها وأثرها المحتمل، وبعضها قد يدخل حيز التنفيذ فور
إعلان الموازنة، بينما يحتاج البعض الآخر إلى تشريع جديد يوافق عليه البرلمان، وقد
يمتد تنفيذه حتى نهاية فترة الحكومة الحالية عام 2028. من أهم هذه المقترحات:
1. **ضريبة عقارية "مناسبة للقيمة" (Proportional Property Tax):**
* يهدف
هذا المقترح إلى فرض ضريبة سنوية على كل من يمتلك عقاراً تتجاوز قيمته 500 ألف
جنيه إسترليني (حوالي 672 ألف دولار أمريكي).
* ستعتمد
هذه الضريبة على إعادة تقييم شاملة للعقارات لتتناسب مع الارتفاعات الكبيرة في
الأسعار، مما يضمن أن تكون الضريبة عاكسة للقيمة السوقية الحالية.
* وستحل
هذه الضريبة محل ضريبة المجلس (Council
Tax) الحالية، التي يدفعها المستأجر في معظم الأحيان،
لتصبح مسؤولية المالك المباشرة.
* النسب
المقترحة تبدأ من 0.44% سنوياً على البيوت حتى 500 ألف جنيه إسترليني، وترتفع إلى 0.54%
للبيوت التي تتراوح قيمتها بين 500 ألف ومليون جنيه إسترليني، ثم إلى 0.81% على
البيوت التي تزيد قيمتها على مليون جنيه إسترليني. على سبيل المثال، منزل بقيمة 750
ألف جنيه إسترليني سيدفع مالكه نحو 3550 جنيهاً سنوياً، بينما منزل بقيمة 1.5
مليون جنيه إسترليني سيدفع نحو 8950 جنيهاً سنوياً.
2. **إلغاء ضريبة الدمغة العقارية (Stamp Duty) واستبدالها:**
* تاريخياً،
كان مشتري العقار السكني يدفع ضريبة دمغة بنسبة تتراوح بين 1.5% و2% على البيوت
ذات القيم المعقولة، وارتفعت تدريجياً لتصل اليوم إلى 12% على البيوت التي تزيد
قيمتها على 1.5 مليون جنيه إسترليني، بل وتصل إلى 17% للبيت الثاني و19% لغير
المقيمين.
* المقترح
الجديد يقضي بإلغاء ضريبة الدمغة الحالية التي يدفعها المشتري، واستبدالها بضريبة
عقارية يتحملها البائع. هذه الضريبة الجديدة ستدمج مع الضريبة العقارية "المناسبة
للقيمة" التي ستحل محل ضريبة المجلس. الهدف من هذا التغيير هو تحفيز السيولة
في السوق عبر تخفيف العبء على المشتري.
3. **إلغاء الإعفاء من ضريبة أرباح رأس المال على المسكن الأساس (Capital Gains Tax Exemption):**
* منذ
عام 1965، كان المسكن الأساس معفى من ضريبة أرباح رأس المال، مما يعني أن المالك
لا يدفع ضريبة على الأرباح المحققة عند بيع منزله الوحيد.
* التعديل
المقترح يلغي هذا الإعفاء، بحيث تحصل الخزانة نسبة 24% من الفارق بين سعري الشراء
والبيع، حتى لو كان العقار هو المسكن الوحيد للبائع.
* تشير
بعض التقديرات إلى أن هذا الإعفاء يحرم الدولة من نحو 31 مليار جنيه إسترليني (41.5
مليار دولار أمريكي) سنوياً، مما يجعله هدفاً جذاباً لزيادة الإيرادات.
**مخاطر وتداعيات سلبية تحذيرات الخبراء**
على الرغم من الطموح
الحكومي بزيادة الإيرادات، فإن هذه المقترحات لم تمر دون انتقادات حادة وتحذيرات
من خبراء الاقتصاد والمحامين العقاريين. يجمع العديد من المحللين على أن تطبيق هذه
التعديلات سيكون صعباً ومعقداً، فضلاً عن الآثار السلبية المبكرة التي قد تتركها على
السوق العقارية:
* **جمود سوق العقارات:** يرى باتريك كانون، محامي الضرائب
البريطاني، أن مجرد طرح هذه الأفكار، ناهيك بتطبيقها، سيؤدي إلى "تجميد سوق
العقارات السكنية". فالأعباء الضريبية الإضافية ستخفض قيمة العقارات فوراً،
وستزيد كلفة الرهون العقارية، مما يؤدي إلى مزيد من حالات التعثر والبيع القسري.
* **ضريبة مزدوجة:** ترصد شركات المحاماة مخاوف حقيقية من أن يتحمل
المالك ضريبة مزدوجة، تشمل ضريبة الدمغة التي دفعها عند الشراء، بالإضافة إلى
الضريبة العقارية السنوية الجديدة.
* **صعوبات التقييم:** تتطلب المقترحات إعادة تقييم شاملة للعقارات
وتوزيع الشرائح الضريبية الجديدة، وهي عملية ضخمة ومعقدة قد تستغرق وقتاً طويلاً
وتواجه تحديات لوجستية.
* **تراجع النشاط:** هناك احتمال كبير بأن تؤدي هذه الضرائب إلى
تراجع النشاط في السوق العقارية، مما يقلل من عدد التداولات وبالتالي ينخفض حجم
الحصيلة الضريبية الفعلية، بدلاً من زيادتها.
* **عدم عدالة ضريبة أرباح رأس المال:** يرى بعض الاقتصاديين أن
فرض ضريبة أرباح رأس المال على المسكن الأساس غير عادل، لأن فارق السعر بين الشراء
والبيع غالباً ما يكون نتيجة التضخم وليس ربحاً حقيقياً. وبالتالي، قد ينتهي الأمر
بمالك العقار خاسراً إذا احتسبت الضريبة إلى جانب فوائد الرهن العقاري التي دفعها
على مدى سنوات.
**المستقبل الغامض لسوق الإسكان البريطاني**
بين الطموح الحكومي
بزيادة الإيرادات وواقع التحديات الاقتصادية والقانونية، يبقى مصير هذه المقترحات
مرهوناً بما ستعلنه راشيل ريفز رسمياً في موازنة الخريف. الأهم من ذلك، هو ما إذا
كان البرلمان والرأي العام سيمنحانها الضوء الأخضر للتنفيذ. ففي النهاية، قد تضع هذه
الضرائب الجديدة بريطانيا أمام مفترق طرق: إما تعزيز الاستقرار المالي للدولة على
المدى الطويل، أو إحداث ركود أعمق في سوق العقارات وتراجع قيمة الأصول السكنية، مع
تداعيات اقتصادية واجتماعية يصعب التنبؤ بها.
فى الختام
شهد سوق العقارات
البريطاني فترة من الازدهار غير المسبوق، ولكن يبدو أن رياح التغيير قادمة، حاملة
معها تحديات جديدة للمشترين والبائعين والمستثمرين على حد سواء.